فصل: سُورَةُ التَّكَاثُر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (8-9):

{وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)}:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ}.
وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ: فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ، هَلِ الْمُرَادُ بِأُمِّهِ مَأْوَاهُ وَهِيَ النَّارُ، وَأَنَّ هَاوِيَةً مِنْ أَسْمَائِهَا، أَمِ الْمُرَادُ بِأُمِّهِ رَأْسُهُ وَأَنَّ هَاوِيَةً مِنَ الْهُوِيِّ، فَيُلْقَى فِي النَّارِ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ يَهْوِي فِي النَّارِ.
وَقَدْ بَحَثَ الشَّيْخُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ ذَلِكَ فِي دَفْعِ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ، وَلَا يَبْعُدُ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ.
فَتَكُونُ: {أُمُّهُ هَاوِيَةٌ}، وَهِيَ النَّارُ وَيُلْقَى فِيهَا مُنَكَّسًا تَهْوِي رَأْسُهُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ.
وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَلَى أَنَّ الْأُمَّ بِمَعْنَى قَوْلِ لَبِيَدٍ:
فَالْأَرْضُ مَعْقِلُنَا وَكَانَتْ أُمَّنَا ** فِيهَا مَقَابِرُنَا وَفِيهَا نُوَلَدُ

وَعَلَى مَعْنَى الْهَاوِيَةِ الْبَعِيدَةِ وَالدَّاهِيَةِ، قَوْلُ الشَّاعِرِ:
يَا عَمْرُو لَوْ نَالَتْكَ رِمَاحُنَا ** كُنْتَ كَمَنْ تَهْوِي بِهِ الْهَاوِيَهْ

وَالْهَاوِيَةُ: مَكَانُ الْهَوِيِّ.
كَمَا قِيلَ:
أَكَلْتُ دَمًا إِنْ لَمْ أَرْعَكِ بِضَرَّةٍ ** بَعِيدَةِ مَهْوَى الْقُرْطِ مَيَّاسَةَ الْقَدّ

أَوْ طَيِّبَةَ النَّشْرِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا».
نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَ.
وَقَدْ فَسَّرَ الْهَاوِيَةَ بِمَا بَعْدَهَا: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ} [101/ 10- 11].
وَقَدْ فَسَّرَ الْهَاوِيَةَ بِأَنَّهَا أَسْفَلُ دَرَكَاتِ النَّارِ. عِيَاذًا بِاللَّهِ.
وَقَدْ جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} [104/ 4- 6].
وَالنَّبْذُ: الطَّرْحُ، مِمَّا يُرَجِّحُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ إِمْكَانِ إِرَادَةِ الْمَعْنَيَيْنِ كَوْنُ أُمِّهِ هِيَ الْهَاوِيَةُ أَيِ النَّارُ، يَهْوِي فِيهَا عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ، وَذَلِكَ بِالنَّبْذِ فِي الْهَاوِيَةِ بَعِيدَةِ الْمَهْوَى، وَعَادَةُ الْجِسْمِ إِذَا أُلْقِيَ مِنْ شَاهِقٍ بَعِيدًا يُسْبِقُهُ إِلَى أَسْفَلَ أَثْقَلُهُ، وَأَثْقَلُ جِسْمِ الْإِنْسَانِ رَأْسُهُ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

.سُورَةُ التَّكَاثُر:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم.

.تفسير الآية رقم (1):

{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)}:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَّاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}.
أَلْهَاكُمْ: أَيْ: شَغَلَكُمْ، وَلَهَاهُ: تُلْهِيهِ، أَيْ عَلَّلَهُ.
وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
فَمِثْلُكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِعٌ ** فَأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْوَلِ

أَيْ: شَغَلْتُهَا.
وَالتَّكَاثُرُ: الْمُكَاثَرَةُ. وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا فِي أَيِّ شَيْءٍ كَانَتِ الْمُكَاثَرَةُ الَّتِي أَلْهَتْهُمْ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: تَرَكَ ذِكْرَهُ، إِمَّا لِأَنَّ الْمَذْمُومَ هُوَ نَفْسُ التَّكَاثُرِ بِالشَّيْءِ لَا الْمُتَكَاثَرُ بِهِ، وَإِمَّا إِرَادَةَ الْإِطْلَاقِ. اهـ.
وَيَعْنِي رَحِمَهُ اللَّهُ بِالْأَوَّلِ: ذَمَّ الْهَلَعِ، وَالنَّهَمِ.
وَبِالثَّانِي: لِيَعُمَّ كُلَّ مَا هُوَ صَالِحٌ لِلتَّكَاثُرِ بِهِ، مَالٌ وَوَلَدٌ وَجَاهٌ، وَبِنَاءٌ وَغِرَاسٌ.
وَلَمْ أَجِدْ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ ذِكْرَ نَظِيرٍ لِهَذِهِ الْآيَةِ.
وَلَكِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى ذِكْرِ سَبَبِ نُزُولِهَا فِي الْجُمْلَةِ، مِنْ أَنَّ حَيَّيْنِ تَفَاخَرَا بِالْآبَاءِ وَأَمْجَادِ الْأَجْدَادِ، فَعَدَّدُوا الْأَحْيَاءَ، ثُمَّ ذَهَبُوا إِلَى الْمَقَابِرِ، وَعَدَّدَ كُلُّ مِنْهُمَا مَا لَهُمْ مِنَ الْمَوْتَى يَفْخَرُونَ بِهِمْ، وَيَتَكَاثَرُونَ بِتَعْدَادِهِمْ.
وَقِيلَ: فِي قُرَيْشٍ بَيْنَ بَنِي عَبْدِ مُنَافٍ وَبَنِي سَهْمٍ.
وَقِيلَ: فِي الْأَنْصَارِ.
وَقِيلَ: فِي الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ، مِمَّا يُشْعِرُ بِأَنَّ التَّكَاثُرَ كَانَ فِي مَفَاخِرِ الْآبَاءِ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْآيَةُ تَعُمُّ جَمِيعَ مَا ذَكَرَ وَغَيْرَهُ.
وَسِيَاقُ حَدِيثِ الصَّحِيحِ: «لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيًا مِنْ ذَهَبٍ، لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَادِيَانِ، وَلَنْ يَمْلَأَ فَاهُ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ».
قَالَ ثَابِتٌ: عَنْ أَنَسٍ عَنْ أُبَيٍّ: كُنَّا نَرَى هَذَا مِنَ الْقُرْآنِ حَتَّى نَزَلَتْ: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ.
وَكَأَنَّ الْقُرْطُبِيَّ يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ التَّكَاثُرَ بِالْمَالِ أَيْضًا.
وَقَدْ جَاءَتْ نُصُوصٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّكَاثُرَ الَّذِي أَلْهَاهُمْ، وَالَّذِي ذَمَّهُمُ اللَّهُ بِسَبَبِهِ أَوْ حَذَّرَهُمْ مِنْهُ، إِنَّمَا هُوَ فِي الْجَمِيعِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا إِلَى قَوْلِهِ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [57/ 20].
فَفِيهِ التَّصْرِيحُ: بِأَنَّ التَّفَاخُرَ وَالتَّكَاثُرَ بَيْنَهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ.
ثُمَّ جَاءَتْ نُصُوصٌ أُخْرَى فِي هَذَا الْمَعْنَى كَقَوْلِهِ: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [6/ 32].
وَقَوْلِهِ: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [29/ 64].
وَلِكَوْنِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، جَاءَ التَّحْذِيرُ مِنْهَا وَالنَّهْيُ عَنْ أَنْ تُلْهِهِمْ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [63/ 9].
وَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ خَيْرٌ مِنْ هَذَا كُلِّهِ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [62/ 9].
وَمِمَّا يُرَجِّحُ أَنَّ التَّكَاثُرَ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ فِي نَفْسِ السُّورَةِ، مَا جَاءَ فِي آخِرِهَا مِنْ قَوْلِهِ: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [102/ 8]، لِمُنَاسَبَتِهَا لِأَوَّلِ السُّورَةِ.
كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِشُمُولِ النَّعِيمِ لِلْمَالِ شُمُولًا أَوَّلِيًّا.
وَقَوْلُهُ: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}:
أَخَذَ مِنْهُ مَنْ قَالَ: إِنَّ تَفَاخُرَهُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى الذَّهَابِ إِلَى الْمَقَابِرِ لِيَتَكَاثَرُوا بِأَمْوَاتِهِمْ، كَمَا جَاءَتْ فِي أَخْبَارِ أَسْبَابِ النُّزُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَالصَّحِيحُ فِي زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ: يَعْنِي مُتُّمْ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ يَأْتِي إِلَى الْقَبْرِ كَالزَّائِرِ لِأَنَّ وُجُودَهُ فِيهِ مُؤَقَّتًا.
وَقَدْ رُوِيَ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَمِعَ هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالَ: بُعِثُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: لِأَنَّ الزَّائِرَ لَابُدَّ أَنْ يَرْتَحِلَ.
تَنْبِيهٌ:
قَدْ بَحَثَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مَسْأَلَةَ زِيَارَةِ الْقُبُورِ هُنَا لِحَدِيثِ: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، أَلَا فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُزَهِّدُ فِي الدُّنْيَا وَتُذَكِّرُ الْآخِرَةَ».
وَقَالُوا: إِنَّ الْمَنْعَ كَانَ عَامًّا مِنْ أَجْلِ ذِكْرِ مَآثِرِ الْآبَاءِ وَالْمَوْتَى، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ رَخَّصَ فِي الزِّيَارَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ رُخِّصَ لَهُ. فَقِيلَ: لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ لِعَدَمِ دُخُولِهِنَّ فِي وَاوِ الْجَمَاعَةِ فِي قَوْلِهِ: «فَزُورُوهَا».
وَقِيلَ: هُوَ عَامٌّ لِلرِّجَالِ وَلِلنِّسَاءِ، وَاسْتَدَلَّ كُلُّ فَرِيقٍ بِأَدِلَّةٍ يَطُولُ إِيرَادُهَا.
وَلَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ لِبَيَانِ الْأَرْجَحِ، نُورِدُ نُبْذَةً مِنَ الْبَحْثِ.
فَقَالَ الْمَانِعُونَ لِلنِّسَاءِ: إِنَّهُنَّ عَلَى أَصْلِ الْمَنْعِ، وَلَمْ تَشْمَلْهُنَّ الرُّخْصَةُ، وَمَجِيءُ اللَّعْنِ بِالزِّيَارَةِ فِيهِنَّ.
وَقَالَ الْمُجِيزُونَ: إِنَّهُنَّ يَدْخُلْنَ ضِمْنًا فِي خِطَابِ الرِّجَالِ، كَدُخُولِهِنَّ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [2/ 43]، فَإِنَّهُنَّ يَدْخُلْنَ قَطْعًا.
وَقَالُوا: إِنَّ اللَّعْنَ الْمُنَوَّهَ عَنْهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ بِرِوَايَتَيْنِ رِوَايَةِ: «لَعَنَ اللَّهُ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ».
وَجَاءَ: «لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذَاتِ عَلَيْهِنَّ السُّرُجَ» إِلَى آخِرِهِ.
فَعَلَى صِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ: زَوَّارَاتٌ لَا تَشْمَلُ مُطْلَقَ الزِّيَارَةِ، وَإِنَّمَا تَخْتَصُّ لِلْمُكْثِرَاتِ؛ لِأَنَّهُنَّ بِالْإِكْثَارِ لَا يَسْلَمْنَ مِنْ عَادَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ تَعْدَادِ مَآثِرِ الْمَوْتَى الْمَحْظُورِ فِي أَصْلِ الْآيَةِ.
أَمَّا مُجَرَّدُ زِيَارَةٍ بِدُونِ إِكْثَارٍ وَلَا مُكْثٍ، فَلَا.
وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا ذَكَرَ لَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، السَّلَامَ عَلَى أَهْلِ الْبَقِيعِ، فَقَالَتْ: «وَمَاذَا أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَنَا زُرْتُ الْقُبُورَ؟ قَالَ: قُولِي: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ آلَ دَارِ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ» الْحَدِيثَ.
فَأَقَرَّهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى أَنَّهَا تَزُورُ الْقُبُورَ وَعَلَّمَهَا مَاذَا تَقُولُ إِنْ هِيَ زَارَتْ.
وَكَذَلِكَ بِقِصَّةِ مُرُورِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي تَبْكِي عِنْدَ الْقَبْرِ فَكَلَّمَهَا، فَقَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، وَهِيَ لَا تَعْلَمُ مَنْ هُوَ، فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهَا قِيلَ لَهَا: إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَاءَتْ تَعْتَذِرُ فَقَالَ لَهَا: «إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى».
وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا الْمَنْعَ مِنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، مَعَ أَنَّهُ رَآهَا تَبْكِي.
وَهَذِهِ أَدِلَّةٌ صَرِيحَةٌ فِي السَّمَاحِ بِالزِّيَارَةِ. وَمِنْ نَاحِيَةِ الْمَعْنَى، فَإِنَّ النَّتِيجَةَ مِنَ الزِّيَارَةِ لِلرِّجَالِ مَنْ فِي حَاجَةٍ إِلَيْهَا كَذَلِكَ، وَهِيَ كَوْنُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ تُزَهِّدُ فِي الدُّنْيَا وَتُرَغِّبُ فِي الْآخِرَةِ.
وَلَيْسَتْ هَذِهِ بِخَاصَّةٍ فِي الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، بَلْ قَدْ يَكُنُّ أَحْوَجَ إِلَيْهِ مِنَ الرِّجَالِ.
وَعَلَى كُلٍّ، فَإِنَّ الرَّاجِحَ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، هُوَ الْجَوَازُ لِمَنْ لَمْ يُكْثِرْنَ وَلَا يَتَكَلَّمْنَ بِمَا لَا يَلِيقُ، مِمَّا كَانَ سَبَبًا لِلْمَنْعِ الْأَوَّلِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
تَنْبِيهٌ آخَرُ مِنْ لَطَائِفِ الْقَوْلِ فِي التَّفْسِيرِ، مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَيَّانَ عَنِ التَّكَاثُرِ فِي قَوْلِهِ: حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ، مَا نَصُّهُ:
وَقِيلَ هَذَا تَأْنِيبٌ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنْ زِيَارَةٍ، تَكْثِيرًا بِمَنْ سَلَفَ وَإِشَادَةً بِذِكْرِهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ ثُمَّ قَالَ: فَزُورُوهَا أَمْرُ إِبَاحَةٍ لِلِاتِّعَاظِ بِهَا، لَا لِمَعْنَى الْمُبَاهَاةِ وَالتَّفَاخُرِ.
ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: كَمَا يَصْنَعُ النَّاسُ فِي مُلَازَمَتِهَا وَتَسْنِيمِهَا بِالْحِجَارَةِ وَالرُّخَامِ وَتَلْوِينِهَا شَرَفًا، وَبَيَانِ النَّوَاوِيسِ عَلَيْهَا، أَيِ الْفَوَانِيسِ، وَهِيَ السُّرُجُ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو حَيَّانَ، وَابْنُ عَطِيَّةَ: لَمْ يَرَ إِلَّا قُبُورَ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ، فَكَيْفَ لَوْ رَأَى مَا يَتَبَاهَى بِهِ أَهْلُ مِصْرَ فِي مَدَافِنِهِمْ بِالْقَرَافَةِ الْكُبْرَى وَالْقَرَافَةِ الصُّغْرَى، وَبَابِ النَّصْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَمَا يَضِيعُ فِيهَا مِنَ الْأَمْوَالِ، لَتَعَجَّبَ مِنْ ذَلِكَ وَلَرَأَى مَا لَمْ يَخْطُرْ بِبَالٍ.
وَأَمَّا التَّبَاهِي بِالزِّيَارَةِ: فَفِي هَؤُلَاءِ الْمُنْتَمِينَ إِلَى الصُّوفِيَّةِ أَقْوَامٌ لَيْسَ لَهُمْ شُغْلٌ إِلَّا زِيَارَةُ الْقُبُورِ: زُرْتُ قَبْرَ سَيِّدِي فُلَانٍ بِكَذَا، وَقَبَرَ فُلَانٍ بِكَذَا، وَالشَّيْخَ فُلَانٍ بِكَذَا، وَالشَّيْخَ فُلَانٍ بِكَذَا، فَيَذْكُرُونَ أَقَالِيمَ طَافُوهَا عَلَى قَدَمِ التَّجْرِيدِ.
وَقَدْ حَفِظُوا حِكَايَاتٍ عَنْ أَصْحَابِ تِلْكَ الْقُبُورِ وَأُولَئِكَ الْمَشَايِخِ، بِحَيْثُ لَوْ كُتِبَتْ لَجَاءَتْ أَسْفَارًا. وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لَا يَعْرِفُونَ فُرُوضَ الْوُضُوءِ وَلَا سُنَنَهُ.
وَقَدْ سَخَّرَ لَهُمُ الْمُلُوكُ وَعَوَامُّ النَّاسِ فِي تَحْسِينِ الظَّنِّ بِهِمْ وَبَذْلِ الْمَالِ لَهُمْ، وَأَمَّا مَنْ شَذَّ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ لِلْعَامَّةِ فَيَأْتِي بِعَجَائِبَ، يَقُولُونَ: هَذَا فَتْحٌ مِنَ الْعِلْمِ اللَّدُنِّيِّ عَلَى الْخَضِرِ.
حَتَّى إِنَّ مَنْ يَنْتَمِي إِلَى الْعِلْمِ، لَمَّا رَأَى رَوَاجَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ، وَنَقَلَ كَثِيرًا مِنْ حِكَايَاتِهِمْ، وَمَزَجَ ذَلِكَ بِيَسِيرٍ مِنَ الْعِلْمِ طَلَبًا لِلْمَالِ وَالْجَاهِ وَتَقْبِيلِ الْيَدِ.
وَنَحْنُ نَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُوَفِّقَنَا لِطَاعَتِهِ. اهـ. بِحُرُوفِهِ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَعْظَمِ مَا افْتَتَنَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ مَعًا.
أَمَّا فِي دِينِهِمْ: فَهُوَ الْغُلُوُّ الَّذِي نَهَى عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صِيَانَةً لِلتَّوْحِيدِ مِنْ سُؤَالِ غَيْرِ اللَّهِ.
وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ الْكَثِيرَ مِنْ هَؤُلَاءِ يَتْرُكُونَ مَصَالِحَ دُنْيَاهُمْ مِنْ زِرَاعَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ صِنَاعَةٍ، وَيَطُوفُ بِتِلْكَ الْأَمَاكِنِ تَارِكًا وَمُضَيِّعًا مَنْ يَكُونُ السَّعْيُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ.
مِمَّا يَلْزَمُ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ، أَنْ يُرْشِدُوا الْجَهَلَةَ مِنْهُمْ، وَأَنْ يُبَيِّنُوا لِلنَّاسِ عَامَّةً خَطَأَ وَجَهْلَ أُولَئِكَ، وَأَنَّ الرَّحِيلَ لِتِلْكَ الْقُبُورِ لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ الرَّسُولِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَلَا كَانَ مِنْ عَمَلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَلَا مِنْ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ، وَلَا مَنْ عَمَلِ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
وَإِنَّمَا كَانَ عَمَلُ الْجَمِيعِ زِيَارَةَ مَا جَاوَرَهُمْ مِنَ الْمَقَابِرِ لِلسَّلَامِ عَلَيْهِمْ وَالدُّعَاءِ لَهُمْ، وَالِاتِّعَاظِ بِحَالِهِمْ، وَالِاسْتِعْدَادِ لِمَا صَارُوا إِلَيْهِ.
نَسْأَلُ اللَّهَ الْهِدَايَةَ وَالتَّوْفِيقَ لِاتِّبَاعِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالِاقْتِفَاءِ بِآثَارِ سَلَفِ الْأُمَّةِ، آمِينَ.

.تفسير الآيات (3-4):

{كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4)}:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}.
كَلَّا: زَجْرٌ عَنِ التَّلَهِّي وَالتَّكَاثُرِ الْمَذْكُورِ، وَ: {سَوْفَ تَعْلَمُونَ}: أَيْ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ، وَمَغَبَّةَ هَذَا التَّلَهِّي، «ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ» تَكْرَارٌ لِلتَّأْكِيدِ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ لَا تَكْرَارَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ الْأُولَى فِي الْقَبْرِ، وَالثَّانِيَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَهُوَ مَعْقُولٌ.
وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ.
وَمَعْلُومٌ صِحَّةُ حَدِيثِ الْقَبْرِ: «إِنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ».
وَالسُّؤَالُ فِيهِ مَعْلُومٌ، وَلَكِنْ أَرَادُوا مَأْخَذَهُ مِنَ الْقُرْآنِ.
وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى سُورَةِ غَافِرٍ، عِنْدَ: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} [40/ 45]، إِثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنَ الْقُرْآنِ.
وَكَذَلِكَ بَيَانُ مَعْنَاهُ فِي آخِرِ سُورَةِ الزُّخْرُفِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [43/ 89].
وَهَذَا الزَّجْرُ هُنَا وَالتَّحْذِيرُ لَهُمْ رَدًّا عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي التَّكَاثُرِ.
كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَلَسْتَ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُمْ حَصًى ** وَإِنَّمَا الْعِزَّةُ لِلْكَاثِرُُِ

وَأَصْرَحُ دَلِيلٍ لِإِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنَ الْقُرْآنِ، هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}; لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي الدُّنْيَا، وَالثَّانِيَ فِي الْآخِرَةِ.

.تفسير الآية رقم (5):

{كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5)}:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ}.
لَوْ: هُنَا شَرْطِيَّةٌ، جَوَابُهَا مَحْذُوفٌ بِاتِّفَاقٍ قَدَّرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ أَيْ لَوْ عَلِمْتُمْ حَقَّ الْعِلْمِ، لَمَا أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ عَنْ طَلَبِ الْآخِرَةِ، حَتَّى صِرْتُمْ إِلَى الْمَقَابِرِ، وَعِلْمُ الْيَقِينِ: أَجَازَ أَبُو حَيَّانَ إِضَافَةَ الشَّيْءِ لِنَفْسِهِ، أَيْ: لِمُغَايِرَةِ الْوَصْفِ، إِذِ الْعِلْمُ هُوَ الْيَقِينُ، وَلَكِنَّهُ آكَدُ مِنْهُ.
وَعَنْ حَسَّانَ قَوْلُهُ:
سِرْنَا وَسَارُوا إِلَى بَدْرٍ لِحَتْفِهِمُ ** لَوْ يَعْلَمُونَ يَقِينَ الْعِلْمِ مَا سَارُوا

وَ: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ}: جَوَابٌ لِقَسَمٍ مَحْذُوفٍ.
وَقَالَ: الْمُرَادُ بِرُؤْيَتِهَا عِنْدَ أَوَّلِ الْبَعْثِ، أَوْ عِنْدَ الْوُرُودِ، أَوْ عِنْدَ مَا يَتَكَشَّفُ الْحَالُ فِي الْقَبْرِ.
{ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ}: قِيلَ: هَذَا لِلْكَافِرِ عِنْدَ دُخُولِهَا، هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ الْمُفَسِّرِينَ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَيْسَ لِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ بِرُؤْيَتِهَا، وَلَكِنْ وَعِيدٌ شَدِيدٌ وَتَخْوِيفٌ بِهَا؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الرُّؤْيَةِ مَعْلُومٌ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [19/ 71]، وَلَكِنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَةَ أَخَصُّ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} [18/ 53]، أَيْ: أَيْقَنُوا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} [18/ 53].
وَقَدْ يَبْدُو وَجْهٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَهُوَ أَنَّ الرُّؤْيَةَ هُنَا لِلنَّارِ نَوْعَانِ:
الرُّؤْيَةُ الْأُولَى: رُؤْيَةُ عِلْمٍ وَتَيَقُّنٍ، فِي قَوْلِهِ: لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ، عِلْمًا تَسْتَيْقِنُونَ بِهِ حَقِيقَةَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَصْبَحْتُمْ بِمَثَابَةِ مَنْ يُشَاهِدُ أَهْوَالَهُ وَيَشْهَدُ بِأَحْوَالِهِ، كَمَا فِي حَدِيثِ الْإِحْسَانِ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ».
وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُهُ فِي قِصَّةِ الصِّدِيقِ لَمَّا أُخْبِرَ نَبَأَ الْإِسْرَاءِ، فَقَالَ: «صَدَقَ مُحَمَّدٌ، فَقَالُوا: تُصَدِّقُهُ وَأَنْتَ لَمْ تَسْمَعْ مِنْهُ؟ قَالَ: إِنِّي لَأُصَدِّقُهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ».
فَلِعِلْمِهِ عِلْمَ الْيَقِينِ بِصِدْقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يُخْبِرُ، صَدَّقَ بِالْإِسْرَاءِ كَأَنَّهُ يَرَاهُ.
وَتَكُونُ الرُّؤْيَةُ الثَّانِيَةُ رُؤْيَةَ عَيْنٍ وَمُشَاهَدَةٍ، فَهُوَ عَيْنُ الْيَقِينِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا مَرَاتِبَ الْعِلْمِ الثَّلَاثَ: عِلْمُ الْيَقِينِ، وَعَيْنُ الْيَقِينِ، وَحَقُّ الْيَقِينِ.
فَالْعِلْمُ: مَا كَانَ عَنْ دَلَائِلَ.
وَعَيْنُ الْيَقِينِ: مَا كَانَ عَنْ مُشَاهَدَةٍ.
وَحَقُّ الْيَقِينِ: مَا كَانَ عَنْ مُلَابَسَةٍ وَمُخَالَطَةٍ، كَمَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِالْكَعْبَةِ، وَجِهَتِهَا فَهُوَ عِلْمُ الْيَقِينِ، فَإِذَا رَآهَا فَهُوَ عَيْنُ الْيَقِينِ بِوُجُودِهَا. فَإِذَا دَخَلَهَا وَكَانَ فِي جَوْفِهَا فَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ بِوُجُودِهَا. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

.تفسير الآية رقم (8):

{ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)}:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}.
أَصْلُ النَّعِيمِ كُلُّ حَالٍ نَاعِمَةٍ مِنَ النُّعُومَةِ وَاللُّيُونَةُ، ضِدُّ الْخُشُونَةِ وَالْيُبُوسَةِ، وَالشَّدَائِدِ، كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [16/ 53].
ثُمَّ قَالَ: {إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [16/ 53]، فَقَابَلَ النِّعْمَةَ بِالضُّرِّ.
وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي} [11/ 10].
وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ نِعَمَ اللَّهِ عَدِيدَةٌ، كَمَا قَالَ: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [16/ 18].
وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ، فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّمْثِيلِ لَا الْحَصْرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَا تُحْصُوهَا}.
وَأُصُولُ هَذِهِ النِّعَمُ أَوُّلُهَا الْإِسْلَامُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [5/ 3].
وَيَدْخُلُ فِيهَا نِعَمُ التَّشْرِيعِ وَالتَّخْفِيفِ، عَمَّا كَانَ عَلَى الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ.
كَمَا يَدْخُلُ فِيهَا نِعْمَةُ الْإِخَاءِ فِي اللَّهِ: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [3/ 103]، وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ.
وَثَانِيهَا: الصِّحَّةُ، وَكَمَالُ الْخِلْقَةِ وَالْعَافِيَةِ، فَمِنْ كَمَالِ الْخِلْقَةِ الْحَوَاسُّ: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ} [90/ 8- 9].
ثُمَّ قَالَ: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [17/ 36].
وَثَالِثُهَا: الْمَالُ فِي كَسْبِهِ وَإِنْفَاقِهِ سَوَاءٌ، فَفِي كَسْبِهِ مِنْ حِلِّهِ نِعْمَةٌ، وَفِي إِنْفَاقِهِ فِي أَوْجُهِهِ نِعْمَةٌ.
هَذِهِ أُصُولُ النِّعَمِ، فَمَاذَا يُسْأَلُ عَنْهُ، مِنْهَا جَاءَتِ السُّنَّةُ بِأَنَّهُ سَيُسْأَلُ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا.
أَمَّا عَنِ الدِّينِ وَالْمَالِ وَالصِّحَّةِ، فَفِي مُجْمَلِ الْحَدِيثِ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، لَا تَزُولُ قَدَمُ عَبْدٍ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ عَمَلٌ بِهِ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ».
وَلِعِظَمِ هَذِهِ الْآيَةِ وَشُمُولِهِا، فَإِنَّهَا أَصْبَحَتْ مِنْ قَبِيلِ النُّصُوصِ مَضْرِبَ الْمَثَلِ، فَقَدْ فَصَّلَتِ السُّنَّةُ جُزْئِيَّاتِ مَا كَانَتْ تَخْطُرُ بِبَالِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ أَوْرَدَ الْقُرْطُبِيُّ مَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ، فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: «مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟» قَالَا: الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: «وَأَنَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهَا لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، قُومُوا» فَقَامُوا مَعَهُ، فَأَتَى رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ قَالَتْ: مَرْحَبًا! وَأَهْلًا! فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيْنَ فُلَانٌ؟» قَالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنَ الْمَاءِ أَيْ يَطْلُبُ مَاءً عَذْبًا. إِذْ جَاءَ الْأَنْصَارِيُّ، فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمُ أَضْيَافًا مِنِّي. قَالَ: فَانْطَلَقَ فَجَاءَهُمْ بِعَذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ، فَقَالَ: كُلُّوا مِنْ هَذِهِ، وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ» فَذَبَحَ لَهُمْ. فَأَكَلُوا مِنَ الشَّاةِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْعِذْقِ، وَشَرِبُوا، فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ» وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ فِيهِ: «هَذَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ظِلٌّ بَارِدٌ وَرَطْبٌ طَيِّبٌ، وَمَاءٌ بَارِدٌ» وَكَنَّى الرَّجُلُ الَّذِي مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قُلْتُ: اسْمُ هَذَا الرَّجُلِ مَالِكُ بْنُ التَّيِّهَانِ، وَيُكَنَّى أَبَا الْهَيْثَمِ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ هَذِهِ الْقِصَّةَ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ.
وَمِنْهَا: عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخَذَ بِالْفَرَقِ وَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ، وَقَالَ: إِنَّا لَمَسْئُولُونَ عَنْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: خِرْقَةٍ لَفَّ الرَّجُلُ بِهَا عَوْرَتَهُ، أَوْ كِسْرَةٍ سَدَّ بِهَا جَوْعَتَهُ، أَوْ جُحْرٍ يَدْخُلُ فِيهِ مِنَ الْحَرِّ وَالْقَرِّ.
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: إِنَّ مَا سَدَّ الْجُوعَ، وَسَتَرَ الْعَوْرَةَ مِنْ خَشِنِ الطَّعَامِ، لَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْمَرْءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّمَا يُسْأَلُ عَنِ النَّعِيمِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ أَسْكَنَ آدَمَ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} [20/ 119].
فَكَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الْأَرْبَعَةُ مَا يُسَدُّ بِهِ الْجُوعُ، وَمَا يُدْفَعُ بِهِ الْعَطَشُ، وَمَا يُسْكَنُ فِيهِ مِنَ الْحَرِّ وَيُسْتَرُ بِهِ عَوْرَتُهُ، لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْإِطْلَاقِ، لَا حِسَابَ عَلَيْهِ فِيهَا لِأَنَّهُ لَابُدَّ لَهُ مِنْهَا.
وَذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا بِسَنَدِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا جُلُوسًا فَطَلَعَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى رَأْسِهِ أَثَرُ مَاءٍ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرَاكَ طَيِّبَ النَّفْسِ؟ قَالَ: أَجَلْ، قَالَ: خَاضَ النَّاسُ فِي ذِكْرِ الْغِنَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا بَأْسَ بِالْغِنَى لِمَنِ اتَّقَى اللَّهَ، وَالصِّحَّةُ لِمَنِ اتَّقَى اللَّهَ خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى، وَطِيبُ النَّفْسِ مِنَ النِّعَمِ».
قَالَ: وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَبِهَذَا، فَقَدْ ثَبَتَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، أَنَّ النَّعِيمَ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ السُّؤَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا يَتَنَعَّمُ بِهِ الْإِنْسَانُ فِي الدُّنْيَا، حِسًّا كَانَ أَوْ مَعْنًى.
حَتَّى قَالُوا: النَّوْمُ مَعَ الْعَافِيَةِ، وَقَالُوا: إِنَّ السُّؤَالَ عَامٌّ لِلْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ، فَهُوَ لِلْكَافِرِ تَوْبِيخٌ وَتَقْرِيعٌ وَحِسَابٌ، وَلِلْمُؤْمِنِ تَقْرِيرٌ بِحَسَبِ شُكْرِ النِّعْمَةِ وَجُحُودِهَا وَكَيْفِيَّةِ تَصْرِيفِهَا. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَكُلُّ ذَلِكَ يُرَادُ مِنْهُ الْحَثُّ عَلَى شُكْرِ النِّعْمَةِ، وَالْإِقْرَارِ لِلْمُنْعِمِ وَالْقِيَامِ بِحَقِّهِ سُبْحَانَهُ فِيهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [46/ 15].
اللَّهُمَّ أَوْزِعْنَا شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيْنَا عَوْنًا لَنَا عَلَى طَاعَتِكَ.